أنا و الشبكة
حسن عبد القهار
هل فوجئت يوما بصديق لم تره منذ زمن يحدثك في الهاتف بدون مناسبة؟
هل اندهشت لأنه يريد مقابلتك "عشان عايزك في بيزنس و مش هينفع الكلام في التليفون" ؟
تطرد دهشتك و تقرر الذهاب و في رأسك عشرات الأفكار و عند الجلسة الأولى تفاجأ بفكرة لم تخطر لك على بال...
مرحبا بك في الشبكة!
ذهبت إلى كافيه شهير في عباس العقاد ، وجدت عددا من الأصدقاء القدامى ، ظننتها صدفة لكني اكتشفت أنني كنت ساذجا!
جلست مع صديقي الذي حدثني في الهاتف ، كان معه ثلاثة أشخاص ، واحد عرفت فيما بعد أنه المدرب والثلاثة الآخرين مبتدئين
يتعلمون من صديقي الذي أخرج ورقة و قلم ثم سألني : "نفسك في إيه؟"
ابتسمت ؛ ثلاثة مشاهد فقط أسمع فيها هذا السؤال : عشماوي قبل الشنق ، الجني بعد فرك الفانوس و مندوب إحدى شركات التسويق الشبكي..
بحسبة بسيطة أقنعني صديقي أنني لن أمتلك السيارة التي أحلم بها أو الشقة التي سأتزوج فيها مهما عملت في مهن "تقليدية"
و مهما كنت مهندسا ناجحا ، أشعرني أن مستقبلي مسدود عدا طرق واحد.
* * *
منذ زمن بعيد وقيمة الكفاح والعمل معنى مقدس لا يمكن المساس به، لكن إعلانات التلفزيون اخترقت هذا التابو ببساطة .. المهندس عباس كافح في تعمير الصحراء عشرين سنة حتى صار شيخًا أصلع مهدمًا واشترى سيارة مرسيدس .. يا له من أحمق !.. بينما الولد الروش فلان أتصل برقم هاتفي من (0900) وعلى الفور حصل على نفس السيارة .. !
أحمد خالد توفيق
* * *
لكن الولد الروش لن يتصل بـ0900 هذه المرة ، كل ما عليه أن يشتري من منتجات الشركة ما قيمته 600 دولارا كحد أدنى مثلا، المهم ليس المنتج ، الساعة مثل رحلة سفر إلى أكثر من دولة مثل أي شيء آخر ، الهدف ليس المنتج ، الهدف هو الشبكة، أنت تشتري الفرصة فحسب ، لا تخدع نفسك و تصور الأمر أنه عملية سمسرة عادية ، السمسار لا يُفرض عليه أن يشتري المنتج و اسأل نفسك ، لو لم تكن هناك شبكة هل كنت ستشتري المنتج ؟
أو كنت مشتركا في الشبكة و دفعت الحد الأدنى المطلوب و أردت شراء منتج آخر هل ستشتريه من الشركة أم تبحث عن شركة أخرى ؟
الأمر كله يتلخص في الشبكة : حين تدخل في الشبكة عليك أن تقنع عددا من أصدقائك/أقاربك/معارفك ليفعلوا مثلك و حين يشتر أي منهم المنتج المزعوم ليدخلوا في الشبكة تأخذ نسبة من الأموال التي دفعوها و تعطي نسبة لصديقك الذي جاء بك و هكذا تعوض المال الذي دفعته في البداية و تربح أموالا وفيرة بدلا من أن تقضي حياتك كلها كعباس و لتذهب الصحراء إلى الجحيم.
دار الكلام في فلك نفس الفكرة الربط بين تحقيق الأحلام و الشبكة و حين كان يتلعثم صاحبي في النقاش كان يتدخل مدربه ليكمل مسيرة إقناعي.
انتهت جلستنا سريعا و حين خرجت لأصافح أصدقائي الذين جمعتني الصدفة بهم كما ظننت اصطدمت أذني بكلمات مثل الشبكة و الأحلام و المزيد من الدولارات لأعرف أن الأمر قد توغل في حياتي أكثر مما ينبغي.
عدت إلى البيت و في ذهني أن أهمل الموضوع تماما لكني فوجئت بعدها بأيام أن أخي عاد يوما متحمسا ليقنع أبي و أمي ليقرضوه 600 دولارا و سيعيده لهما أضعافا مضاعفة.
أين سمعت هذا الرقم من قبل ؟
* * *
-"انتو بتتخانقوا ليه يا حسن؟" حدثتني أختي مندهشة
-"network marketing"أصل أحمد (أخي) عايز يخش في ال
-"بجد دانا لسه واحدة زميلتي من الجامعة بقالي كتير مشفتهاش مكلماني النهاردة في نفس الموضوع"
-"..............!"
* * *
كان الأمر هذه المرة أكبر من أن أتجاهله و أكبر من أن أترك كل انطباعاتي عن التسويق الشبكي مجرد كلمات سمعتها من هنا أو هناك.
اكتشفت أن التسويق الشبكي ليس مجرد فرصة لتحقيق الأحلام ، إنه رؤية للدنيا من حولنا :.العمل لا يصبح له قيمة و الصداقة و النسب مؤهلات لعقد الصفقات و كل الأشخاص الذين نعرفهم في حياتنا يتم تصنيفهم على أساس إذا كانوا عملاء محتملين أم لا و ما إذا كانوا محل نزاع من قبل منافسين آخرين داخل الشبكة.
إنها رؤية ستؤدي في النهاية إلى تدمير علاقاتنا الاجتماعية و تدمير أعصابنا ، حتى إذا خسرنا سنحاول إقناع أنفسنا و إقناع الآخرين أنها فرصة لا تعوص ليدخلوا الشبكة حتى يعوض الشخض المخادع خسارته ، هل هناك فرق بين المسوق و المقامر عندها؟
ثم ما هي نتيجة كل هذا على بلد قام بثورة ؟ سننسى مصر التي تجمعت حولها القلوب و نعود مرة أخرى للتفكير بكل أنانية في أنفسنا فقط ، فيترك الانسان المنتج الناجح عمله من أجل انتهاز الفرصة ، الغزو ليس مقتصرا على الطبقة الوسطى أو الغنية فحسب ، هناك شركات تعرض الدخول في الشبكة بقيمة لا تتجاوز العشر دولارات ، الكل مستهدف و الوسيلة بسيطة ، اللعب على غرائزنا البشرية و رغبتنا في الكسب السريع دون عمل ، فيترك العامل مصنعه و المهندس عمله و الطبيب مرضاه..إلخ
هذا الفيديو يقول كل شيء في بضع صرخات:
و مع استغلال الحالة الاقتصادية الصعبة و زيادة التضخم تنمو قيم الفهلوة و انتهاز الفرص و يقل اعتبار قيم أخلاقية مثل العمل و الوفاء و الإخلاص والتعاون كنتيجة لدخول نظام السوق بأبشع صوره في كل تفاصيل حياتنا .
* * *
"فنحن بصدد زحف شيء أخطر من مجرد الانفتاح أو الرأسمالية أو التغريب ، و هو تحويل كل شيء، خطوة بخطوة ، ليصبح محلا للبيع و الشراء ، حتى روح الانسان نفسه"
جلال أمين
* * *
دعك من أن التعامل بالدولار يزعزع من قيمة العملة المحلية المتدهورة أصلا أمام الدولار و حركة الأموال المبالغ فيها نسبة إلى المنتجات و الطاقات المهدرة في غير موضعها في هذا الوقت الحرج من تاريخ مصر.
كنت أظن أن هذه الأضرار أسبابا كافية حين حاولت الوصول لأحد المسئولين في مكتب رئيس الوزراء عن طريق أحد معارفي فوجدنا ان الوزارة و وزارة المالية ليس لديها علم بالموضوع ، الدهشة ليست كلمة كافية لوصف ما شعرت به حينها و كأن اللصوص القدامى عادوا بوجوه جديدة و ثياب جديدة و منطق جديد.
نداء للحكومة :
إذا كانت الحكومة فعلا حكومة ثورة و أنها بالأساس تنحاز للمظلومين و الفقراء و أنهم أخذوا على عاتقهم انقاذ اقتصاد البلد فأطالبهم بأن يقوموا بعملهم الذي يتقاضون عليه أجرا من أموال الشعب بتشكيل لجنة لدراسة الآثار السلبية للتسويق الشبكي على اقتصاد البلد و سن قانون لتجريم هذا النشاط الضار في مصر من أجل حماية الاقتصاد المصري .
فهل هناك من مجيب أم أننا نعود إلى الوراء و يصبح هذا المقال مجرد استغاثة لا تجد من يسمعها ؟
------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ------------
------------------------------ ------------------
معا ضد التسويق الشبكي (برجاء النشر)
رابط الحملة على الفيس بوك : و فيه توضيح لجميع الأضرار الاقتصادية و الاجتماعية للتسويق الشبكي لمن يريد الاستزادة..
فيديو يوضح كيف يتم تدريب مندوبي شركات التسويق الشبكي:
COPIED